في المنامِ أراك، وتصدمني الحقيقة كل ليلة.
أشتهي النوم، لأنه المكان الوحيد الذي أراك فيه.
وتزورني بلُطفٍ كما عوّدتني، وأبتسمُ لصباحٍ كنتَ ضيفاً في حلمِ ليلتِه.
ويُصبح الأمر كله حولك: أتأخّر في النوم، لأني أفكر فيك.
وأهربُ إلى النوم، خوفاً من الوجعِ عليك؛ شوقاً إليكَ أحياناً.
تأتي صورتكَ في ليلِ السهرِ طيفاً يلوّن ظلامه، خطواتٌ قادمةٌ نورٌ في قلبِ العتمة.
وتختارُك جدرانُ السّجنِ، تعرفُ تلك الجدرانُ أيّ نُبلٍ ضمَّت ؟ تُخبرك بأن من حولَك ما زالوا حولَك ؟ و أراكَ من حيثُ لا أراك، تسرحُ في أفكارِك متلمّساً شيئاً جميلاً في التفاصيلِ المُحيطةِ بك، تبحثُ عنكَ فيها، عن شيءٍ يُخبرَك ما ذنبُك؟ ماذا جنيت؟ يُرهقَك صمتُ الأشياءِ؛ وترضى باللا جواب، فتنامُ راجياً أن يحصل شيءٌ مختلف في اليوم القادم.
وينتصفُ الزمانُ: ما قبلَك، وما بعدَك.
يحتكُّ القلبُ بالذاكرةِ فيُصابُ بالأرق.
وأخبّئَك بيني وبين نفسي، وأحاربُ فكرةً قد تخبرَك أنكَ وحدَك.
وتصبحُ أنتَ السؤالُ البادي على وجهي أينما كنتُ.
وأتحوَّلُ لكائنٍ هشّ جداً عندما يتعلّقُ الأمرُ بكَ، يتسارعُ نبضُ القلبِ أثناءَ الحديث عنك؛ تقلُّ بهجة الأشياءِ وتنسحبُ الرغباتُ إلا في عُزلةٍ تُشبه عُزلتَك، وأستسلمُ لسكونِ الذات ولو كان يُحيطه ضجيجُ الناس وثرثرتهِم.
بين كل من يُشبهَك لا أحد يُشبهَك، يجعل هذا مكانُكَ فارغاً في كلّ مرة.
ولا أملكُ حيالَ ذلك إلا معجزةَ الخيال، فيتراءى لعيني منظرُنا ونحن نُطلِعَك بهدوءٍ على كلّ ما حصل من بعدك، نحكي لكَ الكثير من الحكايات عن جنونِ العالم وهوَسِ الكهنة وأدعياء الدين، نثرثرُ كثيراً ولا نُبالي بما ينتظرونَ منا أن نُبالي بهِ.
و يسألوني عنكَ، ينتظرونَ مني أن أُخبرَهُم بشيء يطمئنَهُم، ولا أجيبُ بما لا أملِك.
وتنقسمُ آراءَهُم فيكَ.
وتُصبحَ أنتَ موضوعَ جدلِهِم، ويملونَ عليّ تكهّناتهِم وفضولهم عما قد يحصُل لك، ويُشفقونَ عليَّ شفقةً غليظةً باردةً.
ويخبروني ويخبرونَ الناس حولَهم أنهم يحبّوك ويحبّوا أن ينتهي أمرَك على خير.
هل عرفوكَ يوماً؟ لستَ بالنسبةِ لأكثرهم سوى انعكاسٍ لأفكارٍ يؤمنونَ بها يُريدون تمثيلها على الواقع من خلالَك.
في حضرةِ من أنتِ الآن في حضرتِهِم.. لم يشعروكَ بالذّنب، أليس كذلك؟ لم تصدّق كلماتُهم بأنك تستحقُّ ألا تفارق هذه الجدران، أليس كذلك؟ لم يسرقوا قوّتك منك، لم يُضعفوك، لم يُشوّهوا جمالَك؟ تُراهُم استفزُّوك؟ كسروك؟ يريدونكَ أن تعودَ حطاماً مستسلماً؟ أعرفُ أنهم لن يتمكّنوا من أن يسرقوا اعتزازَك بنفسك، وأنك ستعودُ أقوى مما عرفناك، ستفاجئنا وستفاجئ نفسَك، وستكونُ أجملَ مما كنت، ستعودُ شاهقاً شاهقاً بعلوّ السماء.
احفظ دهشتَك حتى تلك الساعة، تماسَك حتى تكتبَ هذهِ النهاية.
أدافعُ رغبتي في الكتابةِ عنكَ بشدّة، يبدو مظهري مُحزناً، مُخجلاً؛ وأنا أنتحبُ أمامَ الجميعِ، كأني أسألُ عطفَ الناس ومواساتهم.
ويهزمني الضعفُ في كلّ مرة وأعودُ للكتابةِ، وأعذرُ نفسي في هذا لأنك أنتَ لستَ بجواري.
لو أنكَ بجواري الآن؛ لو أني بجوارَك هذهِ الساعة، لو أن لهذه الحروفِ يدينِ تمتدُّ لاحتضانِك، وتربتُ على كتفِك هامسةً: لا يُكتَب الزوالُ لنا، لا تُكتَبُ النهاياتُ لمثلنا، تنتظرنا أيّامٌ أجمل بكثير لنقضيها.
عشرةُ شهورٍ يا صديقي؛ تُراكَ تحسبها بالشهورِ مثلنا؟ يمرُّ يومَك كما يمرُّ يومنا؟ عشرةُ شهورٍ وذنبُك أنكَ ضعيفٌ.. لا نسبٌ لكَ يحميكَ ولا حولَ لك، عشرةُ شهورٍ وذنبُك أنكَ الضحيّةُ وسطَ جلاّدي المعاركِ الكبيرة، عشرةُ شهورٍ وذنبُك أن صدرَك يضيقُ بالاسمِ المستعار تُرهبه فكرةُ الاختباءَ تحت الأقنعة، عشرةُ شهورٍ لأنكَ اخترتَ اللا نفاق وكتبتَ واحترقتَ.
ستعود، وستحدثنا عن فلسفة البوكيمونات والبعد الوجودي فيها، عن آخر ما شاهدته من أفلام آل باتشينو، عن قصائد تمام التلاوي/سعد الياسري/الثبيتي/ ودنقل، عن لاعبي النصر ومعنى الانتماء النصراوي، عن وردةٍ زرعتها في حديقة منزلك، عن أسطورةٍ قرأتَ عنها في كتب الميثيولوجيا، عن لعبةٍ نزلَت على الآيباد، عن نصٍّ لكَ كتبتَه ذات سهرٍ.
وسأقرأُ عليكَ : ” سَتَمُوتُ النُّسُورُ التي وَشَمَتْ دَمَكَ الطفلَ يوماً، وأنتَ الذي في عروقِ الثرى نخلةٌ لا تَمُوتْ.. سَتَمُوتُ النُّسُورُ التي وَشَمَتْ دَمَكَ الطفلَ يوماً، وأَنْتَ الذي فِي حُلُوقِ المَصَابِيحِ أغْنِيَةٌ لاَ تَمُوتْ.. سَتَمُوتُ النُّسُورُ التي وَشَمَتْ دَمَكَ الطفلَ يوماً، وأَنْتَ الذي فِي قُلُوبِ الصَّبَايَا هَوىً لاَ يَمُوتْ.. ”