Skip to content

Go back

مصر بين «25 يناير» والثورة المضادة.

مصر بين «25 يناير» والثورة المضادة.

نُشِرَ في صحيفة التقرير الالكترونية، 26/05/2014.

بدأت الدعوة إلى النزول في ميدان التحرير في 25 يناير بوصفها تحرّكاً شعبياً واحتجاجات ومطالب، لم يكُن واضحاً في البداية أنّها ثورة، حصل هذا كثيراً، الكثير من الثورات على مرّ التاريخ لم تكتشِف أنها ثورة إلا بعد أشواطٍ من بدايتها. كانت الدعوة إلى النزول في الميدان من قِبَل صفحة «كلنا خالد سعيد»، الصفحة التي قامت على إثر مقتل خالد سعيد الشاب المصري الذي قُتِلَ من قبل أجهزة الأمن. والتي اختارت يوم 25 يناير والذي يوافق عيد الشرطة، بما يرمز إلى إعلان تحدٍّ للمؤسسة الأمنية.

هذا هو أهمُّ المبادئ التي قامت عليها الثورة، بالإضافة إلى السياسات الاقتصادية والفساد وتدهور الأوضاع المعيشية، كان التعذيب والاعتقال العشوائي وكل ممارسات الأجهزة الأمنية التي استمرّت طوال الثلاثة عقود التي حكَم فيها حسني مبارك شرارة التحرُّك الشعبي. فما الذي حصل؟

أعلن عمر سليمان في 11 فبراير تنحّي حسني مبارك، كان هذا الإعلان هو بداية سياسة جديدة ستّتخذها المؤسسة الأمنية في سبيل بقائها. فالذي قدّم هذا الإعلان هو رئيس المخابرات وكان وقتها نائباً لرئاسة الجمهورية، فهو من قلب النظام ومن قلب المؤسسة الأمنية. لم يكُن هذا الأمر واضحاً في البداية في وسط الفرحة التي عمّت الثوار. لكنه بدأ يتّضح في الفترة الانتقالية خلال حكُم المجلس العسكري بعد 11 فبراير، والتي لم تختلف سياستها في أي شيء، وحينها بدأ يظهر الهِتاف الجديد «يسقط يسقط حكم العسكر». وبدأ يظهر مصطلح «الفلول» كصِفة لمن كان ينتمي إلى نظام حسني مبارك.

حصلَت الانتخابات الرئاسية في 2012 وكانت هنا ضربة جديدة أصابت الثورة، بقيَ المرشّحون للرئاسة بين «أحمد شفيق» المنتمي بالكامل لمنظومة النظام القديم، و«محمد مرسي» مرشّح الإخوان المسلمين. تولّى الرئاسة الإخوان المسلمين بطريقة الاستئثار والتفرُّد بالسُّلطة ولم يكونوا على قدر مسؤولية تحقيق مطالب 25 يناير. إلى أن جاء 3 يوليو 2013 حيث أعلن عبدالفتاح السيسي إنهاء حكم محمد مرسي وتسليم الجمهورية للرئيس المؤقّت عدلي منصور وتنفيذ «خارطة الطريق».

طوال هذه السنوات الثلاث، لم يحصُل أي تغيير حقيقي يطال المؤسّسة الأمنية في مصر، الجيش والشرطة وأمن الدولة. وبعد ما كانت المطالب موجّهة ضد جهة واحدة: النظام القديم ومؤسساته، تمكّنت الدعاية الإعلامية من شيطنة الإخوان المسلمين وتصوير المؤسّسة الأمنية بوصفها المُنقِذ الوطني لمصر وظهور الكثير من رموز النظام القديم على الساحة مرّة أخرى. وهذا بالضّبط ما يسمى «الثورة المضادة»، فـ«الثورة المضادة» لا تستنِد إلى القوة السلطويّة وحدها، بل تدّعي لنفسها «شرعيّة» مستمدّة من الشارع، الشارع الذي سريعاً ما قال بعد 3 يوليو: «إحنا شعب وإنتو شعب».

«الثوّار» و«النشطاء» مصطلحات تُطلَق على الشباب الذين كانوا في صميم حراك 25 يناير وأوّل الداعين والمبادرين إليها، وتعرّضوا للاعتقالات والتعذيب ووثّقوا ورصدوا الانتهاكات التي حصلت لهم أو لغيرهم، وأكثر ملامح هذه الشريحة أنّهم بلا قيادة وبلا حزب موحّد يضمّهم ولكلّ منهم اتجاهاته السياسية التي يلتقي أو يفترق فيها مع الآخر ولذلك يصعب الحديث عنهم بوصفهما «شيئاً واحداً». لا ينتموا إلى الإخوان ولا ينتموا إلى النظام القديم. خارجين عن هذه «الثنائية» سواءً في انتماءاتهم أو في تحليلهم للوضع القائم.

كان هؤلاء «الثوّار» في البداية هُم «نجوم الثورة» الذين تتسابق الأجهزة الإعلامية على إجراء المقابلات والحوارات معهُم، لكن بمرور الوقت سُمِحَ لنفس الأجهزة الإعلامية أن تُروّج صورة عن هؤلاء «الثوّار» بوصفهم: «شلة عيال» أو «عملاء وخونة» أو «سُذّج لا يدركون مسؤولية تصرّفاتهم». مثال ذلك: حملة التشويه التي تعرّض لها وائل غنيم والمكالمات الملفّقة عليه.

الآن، وفي هذه الفترة الانتقالية، تبدو ملامح عودة «النظام القديم» وتصفية الحساب مع «ثورة 25 يناير» أكثر وضوحاً. خاصّةً بعد إعلان «قانون التظاهر» الذي يشلّ بشكل كامل أي حراك شعبي خارج عن إطار ومركزيّة المؤسسة الأمنية. وفي سبيل مقاومة «تقنين القمع» هذا كانت هناك عدّة تحرُّكات لهؤلاء «الثوّار». فهناك حملة «لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين» وحملة «الحرية للجدعان» و«يسقط قانون التظاهر».

مؤخراً، في 26 أبريل 2014 قضت محكمة القاهرة للأمور المستعجلة بحظر «حركة 6 أبريل»، الحركة التي كانت من أكثر الفاعلين تأثيراً خلال أحداث «25 يناير». ومؤسّس الحركة «أحمد ماهر» في السجن من نوفمبر 2013. وأعضاء من «حزب مصر القوية» وأعضاء من «حركة كفاية» والكثير الكثير من المُعتقلين الآن وآخرهم: ماهينور المصري. والتي نُظِّمَت حملات تضامنية كثيرة معها، أدّت إلى المزيد من الاعتقالات والمواجهة مع رجال الأمن. يتجاهل الإعلام كل هذا رغم أنها في فترة حكم الإخوان كانت تمثّل الأخبار الرئيسية، وكانت تمثّل الحدث الأول في أيام «25 يناير» الأولى.

لا يبدو الأمر بهذه البساطة، فشاب مثل الصحفي «محمود بدر» مؤسّس حركة تمرُّد، والذي كان أيضاً أحد الفاعلين المؤثّرين في «25 يناير»، كان واضحاً من بداية حضوره إلى مجلس إعلان عبدالفتاح السيسي عزل مرسي، تأييده ودعمه لـ«خارطة الطريق» وهو الآن رئيس «لجنة الشباب» في الحملة الانتخابية للسيسي. محمود حالة فقط وهناك الكثير غيره سواءً من «ثوّار/ نشطاء» أو «إعلاميين»، ممّن شاركوا في «25 يناير» وهتفوا بـ«يسقط يسقط حكم العسكر» في فترة رئاسة المشير طنطاوي للمجلس العسكري، وأصبحوا الآن مؤيّدين ومبرّرين أو صامتين عن القبضة الأمنيّة على الإخوان ورفاقهم من النشطاء.

قبل عدّة أيام، أعلن «مركز بيو للدراسات» عن نتائج استطلاعات رأي يجريها بشكل دوري في مصر، منها: أن شعبيّة الجيش تراجعت من 73% خلال السنة الماضية 2013، إلى 65% في هذه السنة 2014. يبدو هذا التراجع في الشعبية بطيئاً. لكنّه يبدو لي كمؤشّر على بطؤ التغيير الذي سيحصُل والذي سيوحّد شريحة «الثوّار» وسيكون عاملاً لدفع موجة ثوريّة جديدة؛ في ظل استمرار ممارسات المؤسسة الأمنية والترشُّح المؤكّد لعبدالفتاح السيسي. ولعل أوّل ملامح السعي لبناء هذا التوحُّد في الأهداف «بيان القاهرة» الذي صدر بالأمس (24 مايو 2014) وأعلن مباشرةً حزب «غد الثورة» تأييده له.

رغم أن توحّداً كهذا من الصعب أن يتم في ظلال الانقسامات والتجاهل الإعلامي واتّهام الكثير لبعضهم بالتّنازل عن المبادئ. على أنّ توحُّداً كهذا يبقى هو الأمل في صناعة مصر جديدة لا تنتمي إلى العسكر، ولا إلى الإخوان وتحقّق مطالب ثورة «25 يناير» التي لا نستطيع أن نصفها سوى أنها لا زالت في بداياتها.